الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُقْسِمًا بِاللَّيْلِ إِذَا غَشَّى النَّهَارَ بِظُلْمَتِهِ، فَأَذْهَبَ ضَوْءَهُ، وَجَاءَتْ ظُلْمَتُهُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} النَّهَارَ {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} وَهَذَا أَيْضًا قَسَمٌ، أَقْسَمَ بِالنَّهَارِ إِذَا هُوَ أَضَاءَ فَأَنَارَ، وَظَهَرَ لِلْأَبْصَارِ. مَا كَانَتْ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ قَدْ حَالَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رُؤْيَتِهِ وَإِتْيَانِهِ إِيَّاهَا عِيَانًا، وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْهَبُ فِيمَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَقْسَمَ بِهِ لِعِظَمِ شَأْنِهِ عِنْدَهُ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} قَالَ: آيَتَانِ عَظِيمَتَانِ يُكَوِّرُهُمَا اللَّهُ عَلَى الْخَلَائِقِ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وُصِفَتْ فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وَفِي {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ "مَا" بِمَعْنَى "مَن" فَيَكُونُ ذَلِكَ قَسَمًا مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِخَالِقِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَهُوَ ذَلِكَ الْخَالِقُ، وَأَنْ تَجْعَلَ "مَا" مَعَ مَا بَعْدَهَا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَيَكُونُ قَسَمًا بِخَلْقِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ ذَلِكَ {وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى} وَيَأْثُرُهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى}. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: أَتَى عَلْقَمَةُ الشَّامَ، فَقَعَدَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} فَقُلْتُ: {وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى} قَالَ: فَمَا زَالَ هَؤُلَاءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَضِلُّونَنِي، وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: أَتَيْنَا الشَّامَ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَسَأَلَنِي فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} قَالَ: قُلْتُ: {وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى} قَالَ: كَفَاكَ، سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ؛ وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، «عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ؟ قَالَ: مِنْ أَيِّهَا؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: هَلْ تَقْرَأَهُ قِرَاءَةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: اقْرَأْ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} قَالَ: فَقَرَأْتُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى} قَالَ: فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنِي دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَى أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: فِيكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ عَلَيَّ قِرَاءَةَ عَبْدُ اللَّهِ؟ قَالَ: فَأَشَارُوا إِلَيَّ، قَالَ: قُلْتُ: أَنَا، قَالَ: فَكَيْفَ سَمِعْتَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى} قَالَ: وَأَنَا هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونِي عَلَى أَنْ أقْرَأَ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} فَلَا أَنَا أُتَابِعُهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} قَالَ: فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ {وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجُ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} يَقُولُ: وَالَّذِي خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى؛ قَالَ هَارُونُ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَأَهْلُ مَكَّةَ يَقُولُونَ لِلرَّعْدِ: سُبْحَانَ مَا سَبَّحْتَ لَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، «عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَبِي شِبْلٍ: أَنَّهُ أَتَى الشَّامَ، فَدَخْلَ الْمَسْجِدَ فصَّلى فِيهِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى حَلْقَةٍ فَجَلَسَ فِيهَا؛ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَيَّ، فَعَرَفْتُ فِيهِ تَحَوُّشَ الْقَوْمُ وَهَيْبَتُهُمْ لَهُ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ اسْتَجَابَ دَعْوَتِي، فَإِذَا ذَلِكَ الرَّجُلُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ عَلْقَمَةُ: دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَنْتَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الْكُوفَةِ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنَ الْكُوفَةِ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبَ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيكُمْ مِنْ أُجِيرَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، يَعْنِي عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، أَوْ أَحَدٌ غَيْرُهُ، يَعْنِي حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا، قَالَ: اقْرَأْ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقَرَأْتُ: {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، كَذَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُوهُ إِلَى فِيَّ، فَمَا زَالَ هَؤُلَاءِ حَتَّى كَادُوا يَرُدُّونَنِي عَنْهَا». وَقَوْلُهُ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} يَقُولُ: إِنَّ عَمَلَكُمْ لَمُخْتَلِفٌ أَيُّهَا النَّاسُ؛ لِأَنَّ مِنْكُمْ الْكَافِرَ بِرَبِّهِ، وَالْعَاصِيَ لَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَالْمُؤْمِنَ بِهِ، وَالْمُطِيعَ لَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} يَقُولُ: لَمُخْتَلِفٌ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} جَوَابُ الْقَسَمِ، وَالْكَلَامُ: وَاللَّيْلُ إِذَا يَغْشَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى، وَكَذَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَقَعَ الْقَسَمُ هَاهُنَا {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}. وَقَوْلُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِإِعْطَائِهِ مِنْ مَالِهِ، وَمَا وَهَبَ لَهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَاتَّقَى اللَّهَ وَاجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مسْعِدَةَ، قَالَ: ثَنَا بِشْرٌ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} قَالَ: أَعْطَى مَا عِنْدَهُ وَاتَّقَى، قَالَ: اتَّقَى رَبَّهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} مِنَ الْفَضْلِ (وَاتَّقَى): اتَّقَى رَبَّهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} حَقَّ اللَّهِ (وَاتَّقَى) مَحَارِمَ اللَّهِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} يَقُولُ: مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ، وَاتَّقَى اللَّهَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَصَدَّقَ بِالْخَلَفِ مِنْ اللَّهِ عَلَى إِعْطَائِهِ مَا أَعْطَى مِنْ مَالِهِ فِيمَا أَعْطَى فِيهِ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِإِعْطَائِهِ فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مُسْعِدَة، قَالَ: ثَنَا بِشْرٌ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا دُوَادُ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قَالَ: وَصَدَّقَ بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} يَقُولُ: وَصَدَّقَ بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} بِالْخَلْفِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الأحْمَسِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قَالَ: أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قَالَ: بِالْخَلَفِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قَالَ: بِأَنَّ اللَّهَ سَيَخْلُفُ لَهُ. قَالَ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قَالَ بِالْخَلَفِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذْلِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قَالَ: بِالْخَلَفِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ نَضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةََ، قَالَ: بِالْخَلَفِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَصَدَّقَ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيِّ، قَالَ: ثَنَا أَشْعَثُ السِّجْسِتَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا مِسْعَرٌ؛ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قَالَ: بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مِثْلَهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَِيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}: بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}: يَقُولُ: صَدَّقَ بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَصَدَّقَ بِالْجَنَّةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قَالَ: بِالْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبَّبٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَصَدَّقَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قَالَ: بِمَوْعُودِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ الْمَوْعُودِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قَالَ: صَدَّقَ الْمُؤْمِنُ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الْحَسَنِ. وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْـزِيلِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ عِنْدِي: قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ التَّصْدِيقُ بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ عَلَى نَفَقَتِهِ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ قَبْلَهُ مُنْفِقًا أَنْفَقَ طَالِبًا بِنَفَقَتِهِ الْخَلَفُ مِنْهَا، فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِهِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَقِيبَهُ الْخَبَرُ عَنْ تَصْدِيقِهِ بِوَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِالْخَلَفِ؛ إِذْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَرْضَاهُ، مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَرَدَ. ذِكْرُ الْخَبَرِ الْوَارِدِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ثَنَي خُلَيْدٌ الْعَصْرِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «" مَا مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ إِلَّا وَبِجَنْبِهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا "» فَأَنْـزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}... إِلَى قَوْلِهِ (لِلْعُسْرَى). وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَـزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَصَمُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍْ الصِّدِّيقُ يُعْتِقُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ، فَكَانَ يُعْتِقُ عَجَائِزَ وَنِسَاءٍ إِذَا أَسْلَمْنَ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَيْ بُنِّيَّ، أَرَاك تَعْتِقُ أُنَاسًا ضُعَفَاءَ، فَلَوْ أَنَّكَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جَلْدًا يَقُومُونَ مَعَكَ، وَيَمْنَعُونَكَ، وَيَدْفَعُونَ عَنْكَ، فَقَالَ: أَيْ أَبَتِ، إِنَّمَا أُرِيدُ " أَظُنُّهُ قَالَ ": مَا عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِي، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْـزِلَتْ فِيهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}. وَقَوْلُهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} يَقُولُ: فَسَنُهَيِّئُهُ لِلْخَلَّةِ الْيُسْرَى، وَهِيَ الْعَمَلُ بِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا؛ لِيُوجِبَ لَهُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةِ. وَقَوْلُهُ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْع مَا وَهَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ فَضْلِهِ، مِنْ صَرْفِهِ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِصَرْفِهِ فِيهَا، وَاسْتَغْنَى عَنْ رَبِّهِ، فَلَمْ يَرْغَبْ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ لَهُ بِطَاعَتِهِ بِالزِّيَادَةِ فِيمَا خَوَّلَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنِ مسْعِدَةَ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} قَالَ: بَخِلَ بِمَا عِنْدَهُ، وَاسْتَغْنَى فِي نَفْسِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بِالْفَضْلِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ رَبِّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} يَقُولُ: مَنْ أَغْنَاهُ اللَّهُ، فَبَخِلَ بِالزَّكَاةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْنَى فِي نَفْسِهِ عَنْ رَبِّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوَ اخْتِلَافِهِمْ فِي قَوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} وَأُمًّا نَحْنُ فَنَقُولُ: مَعْنَاهُ: وَكَذَّبَ بِالْخَلَفِ. كَمًّا حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مسْعِدَةَ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}: وَكَذَّبَ بِالْخَلَفِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} وَكَذَّبَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ، قَالَ اللَّهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} وَكَذَّبَ الْكَافِرُ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الْحَسَنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَكَذَّبَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}: وَكَذَّبَ بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَِيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَكَذَّبَ بِالْجَنَّةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} قَالَ: بِالْجَنَّةِ. وَقَوْلُهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَسَنُهَيِّئُهُ فِي الدُّنْيَا لِلْخَلَّةِ الْعُسْرَى، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ يَسَّرَتْ غَنَمُ فُلَانٍ: إِذَا وَلَدَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِلْوِلَادَةِ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر: هُمَـا سَـيِّدَانا يَزْعُمَـانِ وَإنَّمَـا *** يَسُـودَانِنَا أَنْ يَسَّـرَتْ غَنَماهُمَـا وَقِيلَ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} وَلَا تُيَسِّرْ فِي الْعُسْرَى لِلَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} وَاذَا جَمَعَ بَيْنَ كَلَامَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: ذِكْرُ الْخَيْرِ، وَالْآخَرُ: ذِكْرُ الشَّرِّ، جَازَ ذَلِكَ بِالتَّيْسِيرِ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ وَالْعُسْرَى الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُيَسِّرُهُ لَهَا: الْعَمَلُ بِمَا يَكْرَهُهُ وَلَا يَرْضَاهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَميِّ، «عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَتَ الْأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنِّةِ وَمَقَعَدُهُ مِنَ النَّار" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: "لَا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّر" ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدامَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدٍ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَميِّ، «عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِي الْبَقِيعِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَدْخَلُهَا" فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَّكِلَ عَلَى كِتَابِنَا، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلشَّقَاءِ، فَقَالَ: "بَلِ اعْمَلُوا فَكُلٌ مُيَسَّرٌ؛ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ السَعادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِلشَّقَاء" ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}». حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ: أَنَّهُمَا سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ، «عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةٍ، فَأَخَذَ عُودًا، فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّة" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ، «عَنْ عَلِيٍّ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ بِيَدِهِ، فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّار" قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: "لَا اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَه" ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}»... الْآيَتَيْنِ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ النّـزَالِ بْنِ سَبْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا قَدْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا مَا هِيَ لَاقِيَتِه" وَأَعْرَابِيٌّ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْتَادٌ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: فَمَا جَاءَ بِي أَضْرِبُ مِنْ وَادِي كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ قَدْ فُرِغَ مِنَ الْأَمْرِ. فَنَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى ظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَسَّرَهُ لِسَبِيلِ الْخَيْرِ، وَمَنْ يُرِدْ بِهِ شَرًّا يَسَّرَهُ لِسَبِيلِ الشَّر" فَلَقِيتُ عمَرُو بْنُ مَرَّةَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ فِيهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ، قَالَ: «لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ أَفِي شَيْءٍ نَسْتَأْنِفُهُ، أَوْ فِي شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ: سَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى "». حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّائِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: ثَنَا الْجَرَّاحِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، رَفَعَ الْحَدِيثَِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا وَبِيَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مِقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ النَّار" قُلْنَا: يَا رَسُولُ اللَّهِ أَفَلَا نَتَوَكَّلُ؟ قَالَ لَهُمْ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَه" ثُمَّ قَالَ: " أَمَا سَمِعْتُمُ اللَّهَ فِي كِتَابِهِ يَقُولُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} "». حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}: لِلشَّرِّ مِنْ اللَّهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنُعْمِلُ لِأَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، أَوْ لِأَمْرٍ نَأْتَنِفَهُ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ "». حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «سَأَلَ غُلَامَانِ شَابَّانِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنُعْمَلُ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، أَوْ فِي شَيْءٍ يُسْتَأْنَفُ؟ فَقَالَ: "بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ المقادِيُر" قَالَا: فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذَنْ؟ قَالَ: "اعْمَلُوا، فَكُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ الَّذِي خُلِقَ لَه" قَالَا: فَالْآنَ نَجِدُّ وَنَعْمَلُ».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}. يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ}: أَيُّ شَيْءٍ يُدْفَعُ عَنْ هَذَا الَّذِي بَخِلَ بِمَالِهِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ رَبِّهِ، مَالَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (إِذَا) هُوَ (تَرَدَّى). ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: (إِذَا تَرَدَّى) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: إِذَا تَرَدَّى فِي جَهَنَّمَ؛ أَيْ: سَقَطَ فِيهَا فَهَوَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} قَالَ: فِي جَهَنَّمَ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَدْ سَمِعَ الْأَشْجَعِيُّ مِنْ إِسْمَاعِيلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {إِذَا تَرَدَّى} قَالَ: إِذَا تَرَدَّى فِي النَّارِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا مَاتَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} قَالَ: إِذَا مَاتَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {إِذَا تَرَدَّى} قَالَ: إِذَا مَاتَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِذَا مَاتَ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: إِذَا تَرَدَّى فِي جَهَنَّمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنَ التَّرَدِّي، فَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ مَعْنَى الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: رُدِيَ فُلَانٌ، وَقَلَّمَا يُقَالُ: تَرَدَّى. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ عَلَيْنَا لَبَيَانُ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالطَّاعَةِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} يَقُولُ: عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ، بَيَانُ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَطَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يتأوَّلُهُ بِمَعْنَى: أَنَّهُ مَنْ سَلَكَ الْهُدَى فَعَلَى اللَّهِ سَبِيلُهُ، وَيَقُولُ وَهُوَ مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} وَيَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَنْ أَرَادَ اللَّهَ فَهُوَ عَلَى السَّبِيلِ الْقَاصِدِ، وَقَالَ: يُقَالُ مَعْنَاهُ: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَالْإِضْلَالَ، كَمَا قَالَ: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} وَهِيَ تَقِي الْحَرَّ وَالْبَرْدَ. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} يَقُولُ: وَإِنَّ لَنَا مُلْكَ مَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، نُعْطِي مِنْهُمَا مَنْ أَرَدْنَا مِنْ خَلْقِنَا، وَنَحْرِمُهُ مَنْ شِئْنَا. وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُوَفِّقُ لِطَاعَتِهِ مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُكْرِمُهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُهَيِّئُ لَهُ الْكَرَامَةَ وَالثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ خِذْلَانَهُ مِنْ خَلْقِهِ عَنْ طَاعَتِهِ، فَيُهِينُهُ بِمَعْصِيَتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُخْزِيهِ بِعُقُوبَتِهِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْذَرْتُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ نَارًا تَتَوَهَّجُ، وَهِيَ نَارُ جَهَنَّمَ، يَقُولُ: احْذَرُوا أَنْ تَعْصُوا رَبَّكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَتَكْفُرُوا بِهِ، فَتَصْلَوْنَهَا فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: تَلَظَّى، وَإِنَّمَا هِيَ تَتَلَظَّى، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ، وَلَوْ كَانَ فِعْلًا مَاضِيًا لَقِيلَ: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّتْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {نَارًا تَلَظَّى} قَالَ: تَوَهَّجَ. وَقَوْله: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَا يَدْخُلُهَا فَيَصْلَى بِسَعِيرِهَا إِلَّا الْأَشْقَى، {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} يَقُولُ: الَّذِي كَذَّبَ بِآيَاتِ رَبِّهِ، وَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَلَمْ يُصَدِّقْ بِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ يَأْبَى، قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: وَمَنْ يَأْبَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: فَقَرَأَ: {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}. حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ نَاصِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبٍ وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَا: ثَنَا الْأَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} قَالَ مُعَاذٌ: الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى، وَلَمْ يَقُلْهُ الْحَسَنَ، قَالَ: الْمُشْرِكُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ كَذَّبَ بِرَدٍّ ظَاهِرٍ، وَلَكِنْ قَصَّرَ عَمَّا أَمَرَ بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ، فَجُعِلَ تَكْذِيبًا، كَمَا تَقُولُ: لَقِيَ فُلَانٌ الْعَدُوَّ، فَكَذَّبَ إِذَا نَكَلَ وَرَجَعَ، وَذُكِرَ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: لَيْسَ لِحَدِّهِمْ مَكْذُوبَةٌ، بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا صَدَقُوا الْقِتَالَ، وَلَمْ يَرْجِعُوا؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}. وَقَوْلُهُ: {وَسَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} يَقُولُ: وَسَيُوَقَّى صِلِيَّ النَّارِ الَّتِي تَلَظَّى التَّقِيُّ، وَوَضَعَ أَفْعَلُ مَوْضِعَ فَعِيلَ، كَمَا قَالَ طَرَفَةُ: تَمَنَّـى رِجـالٌ أَنْ أمُـوتَ وَإِنْ أَمُـتْ *** فَتِلْـكَ سَـبِيلٌ لَسْـتُ فِيهَـا بِـأَوْحَدِ وَقَوْلُهُ: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} يَقُولُ: الَّذِي يُعْطِي مَالَهُ فِي الدُّنْيَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي أَلْزَمُهُ إِيَّاهَا، (يَتَزَكَّى): يَعْنِي: يَتَطَهَّرُ بِإِعْطَائِهِ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى}. كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى: وَمَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عِنْدَ هَذَا الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَتَزَكَّى {مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} يَعْنِي: مِنْ يَدٍ يُكَافِئُهُ عَلَيْهَا، يَقُولُ: لَيْسَ يُنْفِقُ مَا يُنْفِقُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُعْطِي مَا يُعْطِي مُجَازَاةَ إِنْسَانٍ يُجَازِيهِ عَلَى يَدٍ لَهُ عِنْدَهُ، وَلَا مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى نِعْمَةٍ سَلَفَتْ مِنْهُ إِلَيْهِ، أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُؤْتِيه فِي حُقُوقِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ. قَالَ: وَإِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى لَكِنْ، وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَفْعَلُ فِي الْمُكَافَأَةِ مُسْتَقْبَلًا فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَلَمْ يَرِدْ بِمَا أَنْفَقَ مُكَافَأَةً مِنْ أَحَدٍ، وَيَكُونُ مَوْقِعُ اللَّامِ الَّتِي فِي أَحَدٍ فِي الْهَاءِ الَّتِي خَفَضَتْهَا عِنْدَهُ، فَكَأَنَّكَ قُلْتَ: وَمَا لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ فِيمَا أَنْفَقَ مِنْ نِعْمَةٍ يَلْتَمِسُ ثَوَابهَا، قَالَ: وَقَدْ تَضَعُ الْعَرَبُ الْحَرْفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا، وَاسْتَشْهَدُوا لِذَلِكَ بِبَيْتِ النَّابِغَةِ: وَقَـدْ خِـفْتُ حَـتَّى مَـا تَزِيدُ مَخَافَتِي *** عَـلَى وَعِـلٍ فِـي ذِي الَمطَارَةِ عَاقِلِ وَالْمَعْنَى: حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَةُ وَعْلٍ عَلَى مَخَافَتِي، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الَّذِي حَكَيْنَا قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَقَالُوا: نَـزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ بِعِتْقِهِ مَنْ أَعْتَقَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} يَقُولُ: لَيْسَ بِهِ مَثَابَةُ النَّاسِ وَلَا مُجَازَاتُهُمْ، إِنَّمَا عَطِيَّتُهُ لِلَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْمَاطِي، قَالَ: ثَنَا هَارُونَ بْنُ مَعْرُوفٍ. قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِِيِّ، قَالَ: ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى}. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} قَالَ: نَـزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ، أَعْتَقَ نَاسًا لَمْ يَلْتَمِسْ مِنْهُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، مِنْهُمْ بِلَالٌ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ. وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} نَصْبًا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا يُؤْتِي الَّذِي يُؤْتِي مِنْ مَالِهِ مُلْتَمِسًا مِنْ أَحَدٍ ثَوَابُهُ، إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا بَعْدَ إِلَّا مَا قَبِلَهَا، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ: وَمَـا بِـالرَّبْعِ مِـنْ أَحَـدِ *** إِلَّا أَوَارِيَّ لَأْيًـا مَـا أُبَيِّنُهَـا وَقَوْلُهُ: {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} يَقُولُ: وَلَسَوْفَ يَرْضَى هَذَا الْمُؤْتِي مَالَهُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَتَزَكَّى بِمَا يُثِيبُهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ عِوَضًا مِمَّا أَتَى فِي الدُّنْيَا فِي سَبِيلِهِ، إِذَا لَقِيَ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}. أَقْسَمَ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالضُّحَى، وَهُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ، وَأَحْسِبُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: ضَحِيَ فُلَانٌ لِلشَّمْسِ: إِذَا ظَهَرَ مِنْهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} أَيْ: لَا يُصِيبُكَ فِيهَا الشَّمْسَ. وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} مَعَ ذِكْرِي اخْتِيَارنَا فِيهِ. وَقِيلَ: عُنِيَ بِهِ وَقْتُ الضُّحَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (وَالضُّحَى) سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَاللَّيْلُ إِذَا أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} يَقُولُ: وَاللَّيْلُ إِذَا أَقْبَل. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} قَالَ: إِذَا لَبِسَ النَّاسَ، إِذَا جَاءَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا ذَهَبَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} يَقُولُ: إِذَا ذَهَبَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: إِذَا اسْتَوَى وَسَكَنَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُميدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرانُ؛ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} قَالَ: إِذَا اسْتَوَى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} قَالَ: إِذَا اسْتَوَى. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} سَكَنٌ بِالْخَلْقِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} يَعْنِي: اسْتِقْرَارَهُ وَسُكُونَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} قَالَ: إِذَا سَكَنَ، قَالَ: ذَلِكَ سَجْوُهُ، كَمَا يَكُونُ سُكُونُ الْبَحْرِ سَجْوَهُ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: وَاللَّيْلُ إِذَا سَكَنَ بِأَهْلِهِ، وَثَبَتَ بِظَلَامِهِ، كَمَا يُقَالُ: بَحْرُ سَاجٍ: إِذَا كَانَ سَاكِنًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ: فَمَـا ذَنْبُنَـا إِنْ جَـاشَ بَحْرُ ابْنِ عَمِّكُمْ *** وَبحْـرُكَ سَـاجٍ مَـا يُوَارِي الدَّعَامِصَا وَقَوْلُ الرَّاجِزُ: يَا حَبَّذَا الْقَمْرَاءُ وَاللَّيْلُ السَّاجْ *** وَطُرُقٌ مِثْلُ مُلَاءِ النَّسَّاجْ. وَقَوْلُهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} وَهَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، وَمَعْنَاهُ: مَا تَرَكَكَ يَا مُحَمَّدُ رَبُّكَ وَمَا أَبْغَضَكَ. وَقِيلَ: {وَمَا قَلَى} وَمَعْنَاهُ: وَمَا قَلَاكَ، اكْتِفَاءٌ بِفَهْمِ السَّامِعِ لِمَعْنَاهُ؛ إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {مَا وَدَّعَكَ} فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} يَقُولُ: مَا تَرَكَكَ رَبُّكَ، وَمَا أَبْغَضَكَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} قَالَ: مَا قَلَاكَ رَبُّكَ وَمَا أَبْغَضَكَ؛ قَالَ: وَالْقَالِي: الْمُبْغِضُ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَـزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْذِيبًا مِنْ اللَّهِ قُرَيْشًا فِي قَيْلِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ، لَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ الْوَحْيُّ: قَدْ وَدَّعَ مُحَمَّدًا رَبُّهُ وَقَلَاهُ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّهَانُ، قَالَ: ثَنَا مُفَضَّلُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدَيِّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ مِنْ قَوْمِهِ: وَدَّعَ الشَّيْطَانُ مُحَمَّدًا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: (وَالضُّحَى)... إِلَى قَوْلِهِ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّامَغانيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْقَطَّانُ، قَالَا ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْأَسْودِ بْنِ قَيْسٍ سَمِعَ جُنْدُبًا الْبَجَلِيَّ يَقُولُ: أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَدَّعَ مُحَمَّدًا رَبُّهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَسَوْدِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جُنْدُبًا الْبَجْلِيَّ قَالَ: «قَالَتِ امْرَأَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَى صَاحِبَكَ إِلَّا قَدْ أَبْطَأَ عَنْكَ، فَنَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَسَوْدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «إِنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ، فَنَـزَلَتْ: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}». حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ «أَنَّ خَدِيجَةقَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا قَدْ قَلَاكَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}». حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ بِالْوَحْي، فَقَالَ نَاسٌ مِنْ النَّاسِ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، مَا نَرَى صَاحِبَكَ إِلَّا قَدْ قَلَاكَ فَوَدَّعَكَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ مَا تَسْمَعُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} قَالَ: أَبْطَأُ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ قَلَاهُ رَبُّهُ وَوَدَّعَهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} مَكَثَ جِبْرِيلُ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَقَلَاهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} قَالَ: لَمَّا نَـزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، أَبْطَأَ عَنْهُ جِبْرِيلُ أَيَّامًا، فَعُيِّرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَقَلَاهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ «أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَزِعَ جَزَعًا شَدِيدًا، وَقَالَتْ خَدِيجَة: أَرَى رَبَّكَ قَدْ قَلَاكَ، مِمَّا نَرَى مِنْ جَزَعِك، قَالَ: فَنَـزَلَتْ {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}»... إِلَى آخِرِهَا. وَقَوْلُهُ: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِلدَّارِ الْآخِرَةِ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ الدَّارِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. يَقُولُ: فَلَا تَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا، فَإِنَّ الَّذِي لَكَ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَسَوَّفَ يُعْطِيك يَا مُحَمَّدُ رَبُّكَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ فَوَاضِلِ نِعَمِهِ، حَتَّى تَرْضَى. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الَّذِي وَعَدَهُ مِنْ الْعَطَاءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ مَفْتُوحٌ عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ كَفْرًا كَفْرًا، فَسُرَّ بِذَلِكَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فَأَعْطَاهُ فِي الْجَنَّةِ أَلْفُ قَصْرٍ، فِي كُلِّ قَصْرٍ مَا يَنْبَغِي مِنْ الْأَزْوَاجِ وَالْخَدَمِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثَنِي رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} قَالَ: أَلْفُ قَصْرٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ، تُرَابَهُنَّ الْمِسْكُ، وَفِيهِنَّ مَا يُصْلِحُهُنَّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنْ السُّدِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} قَالَ: مِنْ رِضَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّارَ. وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعَدِّدًا عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعَمَهُ عِنْدَهُ، وَمُذَكِّرُهُ آلَاءَهُ قِبَلَهُ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَا مُحَمَّدُ رَبُّكَ يَتِيمًا فَآوَى، يَقُولُ: فَجَعَلَ لَك مَأْوَى تَأْوِي إِلَيْهِ، وَمَنْـزِلاً تَنْـزِلُهُ {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} وَوَجَدَكَ عَلَى غَيْرِ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ السُّدِّيِّ {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} قَالَ: كَانَ عَلَى أَمْرِ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ عَامًا. وَقِيلَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: وَوَجَدَك فِي قَوْمِ ضَلَالٍ فَهَدَاكَ. وَقَوْلُهُ: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} يَقُولُ: وَوَجَدَك فَقِيرًا فَأَغْنَاك، يُقَالُ مِنْهُ: عَالَ فُلَانٌ يَعِيلُ عَيْلَةً، وَذَلِكَ إِذَا افْتَقَرَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: فَمَـا يَـدْرِي الْفَقِـيرُ مَتَـى غَنَـاهُ *** وَمَـا يَـدْرِي الْغَنِـيُّ مَتَـى يَعِيـلُ يَعْنِي: مَتَى يَفْتَقِرُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {وَوَجَدَكَ عَائِلًا} فَقِيرًا. وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ {وَوَجَدَكَ عَدِيمًا فَآوَى}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ مَنَازِلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ} يَا مُحَمَّدُ {فَلَا تَقْهَرْ} يَقُولُ: فَلَا تَظْلِمْهُ، فَتَذْهَبْ بِحَقِّهِ، اسْتِضْعَافًا مِنْك لَهُ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} أَيْ: لَا تَظْلِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} قَالَ: تُغْمِصْهُ وَتَحْقِرُهُ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ (فَلَا تَكْهَرْ). وَقَوْلُهُ: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}يَقُولُ: وَأَمَّا مَنْ سَأَلَكَ مِنْ ذِي حَاجَةٍ فَلَا تَنْهَرْهُ، وَلَكِنْ أَطْعِمْهُ وَاقْضِ لَهُ حَاجَتَهُ {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}: يَقُولُ: فَاذْكُرْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} قَالَ: بِالنُّبُوَّةِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسِ الْجَرِيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّ مِنْ شُكْرِ النِّعَمِ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَا. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الضُّحَى، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُذَكِّرُهُ آلَاءَهُ عِنْدَهُ، وَإِحْسَانُهُ إِلَيْهِ، حَاضَا لَهُ بِذَلِكَ عَلَى شُكْرِهِ، عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ؛ لِيَسْتَوْجِبَ بِذَلِكَ الْمَزِيدِ مِنْهُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} يَا مُحَمَّدُ، لِلْهُدَى وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ (صَدْرَكَ) فَنُلِّيِّنُ لَكَ قَلْبَك، وَنَجْعَلُهُ وِعَاءً لِلْحِكْمَةِ: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} يَقُولُ: وَغَفَرْنَا لَكَ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِك، وَحَطَطْنَا عَنْك ثَقُلَ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي كُنْتَ فِيهَا، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا ذُكِرَ: {وَحَلَلْنَا عَنْكَ وِقْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} يَقُولُ: الَّذِي أَثْقَلَ ظَهْرَكَ فَأَوْهَنَهُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْبَعِيرِ إِذَا كَانَ رَجِيعَ سَفَرٍ قَدْ أَوْهَنَهُ السَّفَرُ، وَأَذْهَبَ لَحْمَهُ: هُوَ نِقْضُ سَفَرٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} قَالَ: ذَنْبُكَ. {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} قَالَ: أَثْقَلَ ظَهْرَكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ}: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُنُوبٌ قَدْ أَثْقَلَتْهُ، فَغَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} قَالَ: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ ذُنُوبٌ قَدْ أَثْقَلَتْهُ، فَغَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} يَعْنِي: الشِّرْكَ الَّذِي كَانَ فِيهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} قَالَ: شَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ، وَغَفَرَ لَهُ ذَنْبَهُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ أَنْ يُنَبَّأَ، فَوَضَعَهُ. وَفِي قَوْلِهِ: {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} قَالَ: أَثْقَلَهُ وَجَهَدَهُ، كَمَا يُنْقِضُ الْبَعِيرَ حِمْلُهُ الثَّقِيلُ، حَتَّى يَصِيرَ نِقْضًا بَعْدَ أَنْ كَانَ سَمِينًا {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} قَالَ: ذَنْبُكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، أَثْقَلَ ظَهْرَكَ، وَوَضَعْنَاهُ عَنْكَ، وَخَفَّفْنَا عَنْكَ مَا أَثْقَلَ ظَهْرَكَ. وَقَوْلُهُ: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} يَقُولُ: وَرَفَعَنَا لَكَ ذِكْرَكَ، فَلَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِيَ، وَذَلِكَ قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، قَالَا ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قَالَ: لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكْرِتَ مَعِي: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ابْدَءُوا بِالْعُبُودَةِ، وَثَنُّوا بِالرِّسَالَة" فَقُلْتُ لِمَعْمَرٍ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ، فَهُوَ الْعُبُودَةُ، وَرَسُولُهُ أَنْ تَقُولَ: عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَيْسَ خَطِيبٌ، وَلَا مُتَشَهِّدٌ، وَلَا صَاحِبُ صَلَاةٍ، إِلَّا يُنَادِي بِهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ رَبِّي وَرَبَّكَ يَقُولُ: كَيْفَ رَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي". وَقَوْلُهُ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّ مَعَ الشِّدَّةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مِنْ جِهَادِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنْ أَوَّلِهِ مَا أَنْتَ بِسَبِيلِهِ رَجَاءً وَفَرَجًا بِأَنْ يُظْفِرَكَ بِهِمْ، حَتَّى يَنْقَادُوا لِلْحَقِّ الَّذِي جِئْتَهُمْ بِهِ طَوْعًا وَكَرْهًا. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَـزَلَتْ بَشَّرَ بِهَا أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: «" لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن».
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرُوا أَتَاكُمُ الْيُسْرُ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن». حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مَسْرُورًا فَرِحًا وَهُوَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} "». حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ أَصْحَابَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: «" لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ "». حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَوْ دَخَلَ الْعُسْرُ فِي جُحْرٍ، لَجَاءَ الْيُسْرُ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ؛ لَأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} قَالَ: يَتْبَعُ الْيُسْرُ العُسْرَ. وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَإِذَا فَرَّغْتَ مِنْ صَلَاتِكَ فَانْصَبْ إِلَى رَبِّكَ فِي الدُّعَاءِ، وَسَلْهُ حَاجَاتَكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} يَقُولُ: فِي الدُّعَاءِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} يَقُولُ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِمَّا فُرِضَ عَلَيْكَ مِنْ الصَّلَاةِ فَسَلْ اللَّهَ، وَارْغَبْ إِلَيْهِ، وَانْصَبْ لَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَانْصَبْ فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} يَقُولُ: مِنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ، فَانْصَبْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} قَالَ: أَمْرُهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ صِلَاتِهِ أَنْ يُبَالِغَ فِي دُعَائِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ} مِنْ صِلَاتِك (فَانْصَبْ) فِي الدُّعَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: {فَإِذَا فَرَغْتَ} مِنْ جِهَادِ عَدُوِّكَ (فَانْصَبْ) فِي عِبَادَةِ رَبِّكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلَهُ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قَالَ: أَمْرُهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ غَزْوِهِ، أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ وَالْعِبَادَةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قَالَ عَنْ أَبِيهِ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ الْجِهَادِ، جِهَادُ الْعَرَبِ، وَانْقَطَعَ جِهَادُهُمْ فَانْصَبْ لِعِبَادَةِ اللَّهِ {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكَ، فَانْصَبْ فِي عِبَادَةِ رَبِّكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قَالَ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَانْصَبْ، قَالَ: فَصَلِّ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} قَالَ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكَ فَانْصَبْ، فَصَلِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ} قَالَ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَقُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَاجْعَلْ رَغْبَتَكَ وَنِيَّتَكَ لَهُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَجْعَلَ فَرَاغَهُ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ بِهِ مُشْتَغِلًا مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، مِمَّا أَدَّى لَهُ الشَّغْلُ بِهِ، وَأَمَرَهُ بِالشَّغْلِ بِهِ إِلَى النَّصْبِ فِي عِبَادَتِهِ، وَالِاشْتِغَالِ فِيمَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِ، وَمَسْأَلَتَهُ حَاجَاتَُه، وَلَمْ يُخَصَّصْ بِذَلِكَ حَالًا مِنْ أَحْوَالِ فَرَاغِهِ دُونَ حَالٍ، فَسَوَاءً كُلُّ أَحْوَالِ فَرَاغِهِ، مِنْ صَلَاةٍ كَانَ فَرَاغُهُ، أَوْ جِهَادٌ، أَوْ أَمَرُ دُنْيَا كَانَ بِهِ مُشْتَغِلًا لِعُمُومِ الشَّرْطِ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خُصُوصِ حَالِ فَرَاغٍ دُونَ حَالٍ أُخْرَى. وَقَوْلُهُ: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِلَى رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ فَاجْعَلْ رَغْبَتَكَ دُونَ مَنْ سِوَاهُ مِنْ خَلْقِهِ؛ إِذْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ قَدْ جَعَلُوا رَغْبَتَهُمْ فِي حَاجَاتِهِمْ إِلَى الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} قَالَ: اجْعَلْ نِيَّتَكَ وَرَغْبَتَكَ إِلَى اللَّهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} قَالَ: اجْعَلْ رَغْبَتَكَ وَنِيَّتَكَ إِلَى رَبِّكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْله: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ أَلَمْ نَشْرَحْ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِالتِّينِ: التِّينُ الَّذِي يُؤْكَلُ، وَالزَّيْتُونِ: الزَّيْتُونُ الَّذِي يُعْصَرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قَالَ: تِينُكُمْ هَذَا الَّذِي يُؤْكَلُ، وَزَيْتُونُكُمْ هَذَا الَّذِي يُعْصَرُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ يُحَدِّثُ، عَنْ عِكْرِمَةََ، قَالَ: التِّينُ: هُوَ التِّينُ، وَالزَّيْتُونُ: الَّذِي تَأْكُلُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةََ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قَالَ: تِينُكُمْ وَزَيْتُونُكُمْ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قَالَ: التِّينُ: تِينُكُمْ هَذَا، وَالزَّيْتُونُ: زَيْتُونُكُمْ هَذَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قَالَ: التِّينُ الَّذِي يُؤْكَلُ، وَالزَّيْتُونُ: الَّذِي يُعْصَرُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قَالَ: الْفَاكِهَةُ الَّتِي تَأْكُلُ النَّاسُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قَالَ: هُوَ تِينُكُمْ وَزَيْتُونُكُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قَالَ: التِّينُ الَّذِي يُؤْكَلُ، وَالزَّيْتُونُ الَّذِي يُعْصَرُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الْكَلْبِيِّ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} هُوَ الَّذِي تَرَوْنَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ، فِيقَوْله: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}: التِّينُ تِينكُمْ، وَالزَّيْتُونُ زَيْتُونُكُمْ هَذَا. وَقَالَ آخَرُونَ: التِّينُ: مَسْجِدُ دِمَشْقَ، وَالزَّيْتُونِ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنْ يَزِيدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قَالَ: التِّينُ: مَسْجِدُ دِمَشْق، وَالزَّيْتُونُ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (وَالتِّينِ) قَالَ: الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ دِمَشْقَ (وَالزَّيْتُونِ): الَّذِي عَلَيْهِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} ذُكِرَ لَنَا أَنَّ التِّينَ الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ دِمَشْقَ، وَالزَّيْتُونَ: الَّذِي عَلَيْهِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَسَأَلَتْهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قَالَ: التِّينُ: مَسْجِدُ دِمَشْقَ، وَالزَّيْتُونُ، مَسْجِدُ إِيلِيَاء. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قَالَ: هُمَا جَبَلَانِ. وَقَالَ آخَرُونَ: التِّينُ: مَسْجِدُ نُوحٍ، وَالزَّيْتُونُ: مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْله: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} يَعْنِي مَسْجِدَ نُوحٍ الَّذِي بُنِيَ عَلَى الْجُودِيِّ، وَالزَّيْتُونُ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ؛ قَالَ: وَيُقَالُ: التِّينُ وَالزَّيْتُونُ وَطُورِ سِينِينَ: ثَلَاثَةُ مَسَاجِدَ بِالشَّامِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: قَوْلُ مَنْ قَالَ: التِّينُ: هُوَ التِّينُ الَّذِي يُؤْكَلُ، وَالزَّيْتُونُ: هُوَ الزَّيْتُونُ الَّذِي يُعْصَرُ مِنْهُ الزَّيْتُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَلَا يُعْرَفُ جَبَلٌ يُسَمَّى تِينًا، وَلَا جَبَلَ يُقَالُ لَهُ زَيْتُونٌ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: أَقْسَمَ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَلَامِ: الْقَسَمُ بِمَنَابِتِ التِّينِ، وَمَنَابِتِ الزَّيْتُونِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذَلِكَ دَلَالَةٌ فِي ظَاهِرِ التَّنْـزِيلِ، وَلَا مِنْ قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوَّزُ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّ دِمَشْقَ بِهَا مَنَابِتُ التِّينِ، وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ مَنَابِتُ الزَّيْتُونِ. وَقَوْلُهُ: {وَطُورِ سِينِينَ}اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جَبَلُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَمَسْجِدُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قَزْعَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ {وَطُورِ سِينِينَ} فَقَالَ: لَا تَأْتِ طُورَ سِينِينَ، مَا تُرِيدُونَ أَنْ تَدْعُوَا أَثَرَ نَبِيٍّ إِلَّا وَطِئْتُمُوهُ. قَالَ قَتَادَةُ {وَطُورِ سِينِينَ}: مَسْجِدُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {طُورِ سِينِينَ} قَالَ: جَبَلُ مُوسَى. قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنْ يَزِيدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ كَعْب، فِي قَوْلِهِ: {وَطُورِ سِينِينَ} قَالَ: جَبَلُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَطُورِ سِينِينَ} قَالَ: هُوَ الطُّورُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَطُورِ سِينِينَ} قَالَ: مَسْجِدُ الطَّوْرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الطَّوْرُ: هُوَ كُلُّ جَبَلٍ يُنْبِتُ. وَقَوْلُهُ (سِينِينَ): حَسَنٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا عِمَارَة، عَنْ عِكْرِمَةََ، فِي قَوْلِهِ: {وَطُورِ سِينِينَ} قَالَ: هُوَ الْحَسَنُ، وَهِيَ لُغَةُ الْحَبَشَةِ، يَقُولُونَ لِلشَّيْءِ الْحَسَنِ: سِينًا سِينًا. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةُ، عَنْ قَوْلِهِ {وَطُورِ سِينِينَ} قَالَ: طُورٌ: جَبَلٌ، وَسِينِينَ: حَسَنٌ بِالْحَبَشِيَّةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الصَّبَاحُ بْنُ مُحَارِبٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ} قَالَ: هُوَ جَبَلٌ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ يُحَدِّثُ، عَنْ عِكْرِمَةََ {وَطُورِ سِينِينَ} قَالَ: سَوَاءٌ عَلَى نَبَاتِ السَّهْلِ وَالْجَبَلِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَطُورِ سِينِينَ} قَالَ: الْجَبَلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَطُورِ سِينِينَ}: جَبَلٌ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَطُورِ سِينِينَ} الْجَبَلُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ النَّضْرِ، عَنْ عِكْرِمَةََ، قَالَ: الطَّوْرُ: الْجَبَلُ، وَالسِّينِيْنَ: الْحَسَنُ، كَمَا يَنْبُتُ فِي السَّهْلِ، كَذَلِكَ يَنْبُتُ فِي الْجَبَلِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الْكَلْبِيِّ، أَمَّا {طُورِ سِينِينَ} فَهُوَ الْجَبَلُ ذُو الشَّجَرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْجَبَلُ، وَقَالُوا: سِينِينَ: مُبَارَكٌ حَسَنٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَطُورِ): الْجَبَلُ و (سِينِينَ) قَالَ: الْمُبَارَكُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَطُورِ سِينِينَ} قَالَ: جَبَلٌ مُبَارَكٌ بِالشَّامِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَطُورِ سِينِينَ} قَالَ: جَبَلٌ بِالشَّامِ، مُبَارَكٌ حَسَنٌ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: طُورِ سِينِينَ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّ الطَّوْرَ هُوَ الْجَبَلُ ذُو النَّبَاتِ، فَإِضَافَتُهُ إِلَى سِينِينَ تَعْرِيفٌ لَهُ، وَلَوْ كَانَ نَعْتًا لِلطَّوْرِ، كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ حَسَنٌ أَوْ مُبَارَكٌ، لَكَانَ الطَّوْرُ مَنَّوْنًا، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُضَافُ إِلَى نَعْتِهِ، لِغَيْرِ عِلَّةٍ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}يَقُولُ: وَهَذَا الْبَلَدُ الْآمِنُ مِنْ أَعْدَائِهِ أَنْ يُحَارِبُوا أَهْلَهُ، أَوْ يَغْزُوَهُمْ. وَقِيلَ: الْأَمِينُ، وَمَعْنَاهُ: الْآمِنُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَـمْ تَعْلَمـي يَـا أَسْـمَ وَيحَـكِ أَنَّنِـي *** حَـلَفْتُ يَمِينًـا لَا أخُـونُ أَمِينِـي يُرِيدُ: آمِنِي، وَهَذَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}. وَإِنَّمَا عُنِيَ بِقَوْلِهِ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}: مَكَّةُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} قَالَ: مَكَّةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنْ يَزِيدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ كَعْبٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} قَالَ: الْبَلَدُ الْحَرَامُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} قَالَ: الْبَلَدُ الْحَرَامُ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ؛ وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ؛ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} قَالَ: مَكَّةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}: مَكَّةُ. حَدَّثَنِى يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ يُحَدِّثُ عَنْ عِكْرِمَةََ {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}: قَالَ: الْبَلَدُ الْحَرَامُ. قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةَ، عَنْ قَوْلِهِ {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} قَالَ: مَكَّةُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} يَعْنِي: مَكَّةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}: مَكَّةُ. وَقَوْلُهُ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} وَهَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَقَعَ الْقَسَمُ هَاهُنَا {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فِي أَعْدَلِ خَلْقٍ، وَأَحْسَنِ صُورَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قَالَ: فِي أَعْدَلِ خَلْقٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قَالَ: فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قَالَ: خَلْقٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قَالَ: فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} يَقُولُ: فِي أَحْسَنِ صُورَة. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}: فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قَالَ: أَحْسَنُ خَلْقٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قَالَ: فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} يَقُولُ: فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، هُوَ وَالْكَلْبِيُّ {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قَالَا: فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ، فَبَلَغْنَا بِهِ اسْتِوَاءَ شَبَابِهِ وَجِلْدِهِ وَقُوَّتِهِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا يَكُونُ، وَأَعْدَلُ مَا يَكُونُ وَأَقْوَمُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ يُحَدِّثُ، عَنْ عِكْرِمَةََ، فِي قَوْلِهِ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قَالَ: الشَّابُّ الْقَوِيُّ الْجَلَدُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قَالَ: شَبَابُهُ أَوَّلُ مَا نَشَأَ. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ إِلَّا وَهُوَ مُنْكَبٌّ عَلَى وَجْهِهِ غَيْرُ الْإِنْسَانِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قَالَ: خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا الْإِنْسَانَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَأَعْدَلِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} إِنَّمَا هُوَ نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ فِي تَقْوِيمِ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لَقَدْ خَلَقْنَاهُ فِي تَقْوِيمِ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامُ بْنُ سِلْم، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْر. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} يَقُولُ: يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ، كَبُرَ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَهُمْ نَفَرٌ رُدُّوا إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَفِهَتْ عُقُولُهُمْ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عُذْرَهُمْ أَنَّ لَهُمْ أَجْرَهُمْ الَّذِي عَمِلُوا قَبْلَ أَنْ تَذْهَبَ عُقُولُهُمْ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةَ، عَنْ قَوْلِهِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: رُدُّوا إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: رَدَدْنَاهُ إِلَى الهَرَمِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: الهَرَمُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ يُحَدِّثُ، عَنْ عِكْرِمَةََ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: الشَّيْخُ الْهَرَمُ، لَمْ يَضُرْهُ كِبَرُهُ إِنْ خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِأَحْسَنِ مَا كَانَ يَعْمَلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ إِلَى النَّارِ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: فِي شَرِّ صُورَةٍ فِي صُورَةِ خِنْـزِيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: النَّارُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِلَى النَّارِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: فِي النَّارِ. قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِلَى النَّارِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: جَهَنَّمُ مَأْوَاهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: فِي النَّارِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: إِلَى النَّارِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصِّحَّةِ، وَأَشْبَهَهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ، إِلَى عُمْرِ الخَرْفَى؛ الَّذِينَ ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ مِنَ الهَرَمِ وَالْكِبَرِ، فَهُوَ فِي أَسْفَلِ مِنْ سُفْلٍ فِي إِدْبَارِ الْعُمْرِ وَذَهَابِ الْعَقْلِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، أَخْبَرَ عَنْ خَلْقِهِ ابْنِ آدَمَ، وَتَصْرِيفِهِ فِي الْأَحْوَالِ، احْتِجَاجًا بِذَلِكَ عَلَى مُنْكِرِي قُدْرَتِهِ عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} يَعْنِي: بَعْدَ هَذِهِ الْحُجَجِ. وَمَحَال أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا مُنْكِرِينَ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي بِمَا كَانُوا لَهُ مُنْكِرِينَ. وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَى كُلِّ قَوْمٍ بِمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ، مِمَّا يُعَايِنُونَهُ وَيُحِسُّونَهُ، أَوْ يُقِرُّونَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا لَهُ مُحْسِّينَ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْم لِلنَّارِ- الَّتِي كَانَ اللَّهُ يَتَوَعَّدُهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ – مُنْكِرِينَ، وَكَانُوا لِأَهْلِ الهَرَمِ وَالْخَرَفِ مِنْ بَعْدِ الشَّبَابِ وَالْجَلَدِ شَاهِدِينَ، عَلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا كَانُوا لَهُ مُعَاينِينَ، مِنْ تَصْرِيفِهِ خَلْقَهُ، وَنَقْلَهُ إِيَّاهُمْ مِنْ حَالِ التَّقْوِيمِ الْحَسَنِ وَالشَّبَابِ وَالْجِلَدِ إِلَى الهَرَمِ وَالضِّعْفِ وَفَنَاءِ الْعُمْرِ، وَحُدُوثِ الْخَرَفِ. وَقَوْلُهُ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى هَذَا الِاسْتِثْنَاء، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِهِ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالُوا: وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِثْنَاءُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَهُمْ جَمْعٌ مِنْ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ} وَهِيَ كِنَايَةُ الْإِنْسَانِ، وَالْإِنْسَانُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْجِنْسِ، كَمَا قِيلَ: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} قَالُوا: وَكَذَلِكَ جَازَ أَنْ يُقَالَ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} فَيُضَافُ أَفْعَلُ إِلَى جَمَاعَةٍ، وَقَالُوا: وَلَوْ كَانَ مَقْصُودًا بِهِ قَصْدَ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، كَمَا لَا يُقَالُ: هَذَا أَفْضَلُ قَائِمِينَ، وَلَكِنْ يُقَالُ: هَذَا أَفْضَلُ قَائِمٍ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ عِكْرِمَةََ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ، ثُمَّ قَرَأَ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ: لَا يَكُونُ حَتَّى لَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} لِخَاصٍّ مِنْ النَّاسِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِيهِمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى مِنْهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قَدْ يَدْخُلُونَ فِي الَّذِينَ رُدُّوا إِلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ؛ لِأَنَّ أَرْذَلَ الْعُمْرِ قَدْ يُرَدُّ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ. قَالُوا: وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى قَوْلَهُ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} مِنْ مَعْنَى مُضْمَرٍ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالُوا: وَمَعْنَاهُ: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، فَذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ وَخَرَّفُوا، وَانْقَطَعَتْ أَعْمَالُهُمْ، فَلَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَسَنَةٌ {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فَإِنَّ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَهُ مِنْ الْخَيْرِ، فِي حَالِ صِحَّةِ عُقُولِهِمْ، وَسَلَامَةِ أَبْدَانِهِمْ، جَارٌّ لَهُمْ بَعْدَ هَرَمِهِمْ وخَرَفِهَمْ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات، لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، بَعْدَ أَنْ يُرَدَّ أَسْفَلَ سَافِلِينَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} قَالَ: فَأَيَّمَا رَجُلٌ كَانَ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا وَهُوَ قَوِيٌّ شَابٌّ، فَعَجَزَ عَنْهُ، جَرَى لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ الْعَمَلِ حَتَّى يَمُوتَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَى أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} يَقُولُ: إِذَا كَانَ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي شَبِيبَتِهِ كُلِّهَا، ثُمَّ كَبُرَ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ فِي شَبِيبَتِهِ، وَلَمْ يُؤَاخِذْ بِشَيْءٍ مِمَّا عَمِلَ فِي كِبْرِهِ، وَذَهَابِ عَقْلِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَكَانَ يُطِيعُ اللَّهَ فِي شَبِيبَتِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قَالَ: إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ، فَإِذَا بَلَغَ الْمُؤْمِنُ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي شَبَابِهِ وَصِحَّتِهِ، فَهُوَ قَوْلُهُ: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فَإِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الصِّحَّةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ: إِذَا بَلَغَ مِنْ الْكِبَرِ مَا يَعْجِزُ عَنْ الْعَمَلِ، كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُمْ حَسَنَاتُهُمْ وَيُتَجَاوَزُ لَهُمْ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ: هُمْ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمُ الْكِبَرُ، لَا يُؤَاخِذُونَ بِعَمَلٍ عَمِلُوهُ فِي كِبَرِهِمْ، وَهُمْ هَرْمَى لَا يَعْقِلُونَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةَ، عَنْ قَوْلِهِ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} قَالَ: يُوَفِّيه اللَّهُ أَجَرَهُ أَوْ عَمِلَهُ، وَلَا يُؤَاخِذُهُ إِذَا رُدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ يُحَدِّثُ، عَنْ عِكْرِمَةََ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ: الشَّيْخُ الْهَرَمُ لَمْ يَضُرُّهُ كِبْرَهُ إِنْ خَتَمَ اللَّهَ لَهُ بِأَحْسَنِ مَا كَانَ يَعْمَلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْهَرَمُ، وَكَانَ يَعْمَلُ صَالِحًا، كَانَ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ إِذَا كَانَ يَعْمَلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ فِي جَهَنَّمَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مُسْتَثْنَوْنَ مِنْ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ}، وَجَازَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ مِنْهَا إِذْ كَانَتْ كِنَايَةً لِلْإِنْسَانِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، كَمَا قَالَ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}: إِلَّا مِنْ آمَنَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}: فِي النَّارِ {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ كَقَوْلِهِ: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصِّحَّةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي حَالِ صِحَّتِهِمْ وَشَبَابِهِمْ، فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ بَعْدَ هَرِمِهِمْ، كَهَيْئَةِ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فِي حَالِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَهُمْ أَقْوِيَاءٌ عَلَى الْعَمَلِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِأَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ. اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَنْقُوصٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} يَقُولُ: غَيْرُ مَنْقُوصٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاه: غَيْرُ مَحْسُوبٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}: غَيْرُ مَحْسُوبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} قَالَ: غَيْرُ مَحْسُوبٍ. قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} قَالَ: غَيْرُ مَحْسُوبٍ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَنْقُوصٍ، كَمَا كَانَ لَهُ أَيَّامُ صِحَّتِهِ وَشَبَابِهِ، وَهُوَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِمْ: جَبَلٌ مَنِينٌ: إِذَا كَانَ ضَعِيفًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَعْطَـوْا هُنَيْـدَةَ يَحْدُوهَـا ثَمَانِيَـةٌ *** مَـا فِـي عَطَـائِهِمُ مَـنٌّ وَلَا سَـرَفُ يَعْنِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ، وَلَا خَطَأٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ}فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ: فَمَنْ يُكَذِّبُك يَا مُحَمَّدُ بَعْدَ هَذِهِ الْحُجَجِ الَّتِي احْتَجَجْنَا بِهَا، بِالدِّينِ، يَعْنِي: بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا بَعَثَكَ بِهِ مِنْ الْحَقِّ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ؟ قَالُوا: "مَا" فِي مَعْنَى " مَنْ "؛ لِأَنَّهُ عُنِيَ بِهِ ابْنُ آدَمَ، وَمَنْ بَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَا يُكَذِّبُك أَيُّهَا الْإِنْسَانُ بَعْدَ هَذِهِ الْحُجَجِ بِالدِّينِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} عُنِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ! عُنِيَ بِهِ الْإِنْسَانُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَمَّنْ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدٌ بِالدِّينِ} قُلْتُ: يَعْنِي بِهِ: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ! إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْإِنْسَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} أَعَنَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ! إِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الْإِنْسَانُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الْكَلْبِيِّ {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}؟ إِنَّمَا يَعْنِي الْإِنْسَانَ، يَقُولُ: خَلَقْتُكَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، فَمَا يُكَذِّبُكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ بَعْدُ بِالدِّينِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ لَهُ: اسْتَيْقْنْ مَعَ مَا جَاءَك مِنْ اللَّهِ مِنْ الْبَيَانِ، أَنَّ اللَّهَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} أَيْ: اسْتَيْقِنْ بَعْدَ مَا جَاءَك مِنْ اللَّهِ الْبَيَانُ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى "مَا" مَعْنَى "مَن" وَوَجْهُ تَأْوِيلِ الْكَلَامِ إِلَى: فَمَنْ يُكَذِّبُكَ يَا مُحَمَّدُ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ مِنْ اللَّهِ بِالدِّينِ؟ يَعْنِي: بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَمُجَازَاتِهِ الْعِبَادَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ. وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَعْنَى: فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بِأَنَّ النَّاسَ يُدَانُونَ بِأَعْمَالِهِمْ؟ وَكَأَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِكَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ خَلْقُنَا الْإِنْسَانِ عَلَى مَا وَصَفْنَا. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: (بِالدِّينِ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالْحِسَابِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ الطُّفَاوِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةََ، فِي قَوْلِهِ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} قَالَ: الْحِسَابُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: بِحُكْمِ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} يَقُولُ: مَا يُكَذِّبُك بِحُكْمِ اللَّهِ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الدِّينُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْجَزَاءُ وَالْحِسَابُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ مَعَانِي الدِّينِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْجَزَاءُ وَالْحِسَابُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: كَمَا تَدِينُ تُدَانُ. وَلَا أَعْرِفُ مِنْ مَعَانِي الدِّينِ "الْحُكْم" فِي كَلَامِهِمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِذَلِكَ: فَمَا يُكَذِّبُك بَعْدُ بِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَيْكَ أَنْ تُطِيعَهُ فِيهِ؟ فَيَكُونُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ بِأَحْكَمِ مَنْ حَكَمَ فِي أَحْكَامِهِ، وَفَصَلَ قَضَاءَهُ بَيْنَ عِبَادِهِ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ ذَلِكَ فِيمَا بَلَغْنَا قَالَ: بَلَى. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ} ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَهَا قَالَ: " بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ ". حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا قَرَأَ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وبَلَى. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَانَ قَتَادَةُ إِذَا تَلَا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} قَالَ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، أَحْسِبُهُ كَانَ يَرْفَعُ ذَلِكَ؛ وَإِذَا قَرَأَ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}؟ قَالَ: بَلَى، وَإِذَا تَلَا {فَبِأَيِ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} قَالَ: آمَنَتْ بِاللَّهِ، وَبِمَا أَنْـزَلَ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُـورَةِ وَالتِّينِ
|